سورة آل عمران - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)}
{م} حقها أن يوقف عليها كما وقف على ألف ولام، وأن يبدأ ما بعدها كما تقول: واحد اثنان: وهي قراءة عاصم. وأما فتحها فهي حركة الهمزة ألقيت عليها حين أسقطت للتخفيف.
فإن قلت: كيف جاز إلقاء حركتها عليها وهي همزة وصل لا تثبت في درج الكلام فلا تثبت حركتها لأنّ ثبات حركتها كثباتها؟ قلت: هذا ليس بدرج، لأنّ (م) في حكم الوقف والسكون والهمزة في حكم الثابت. وإنما حذفت تخفيفاً وألقيت حركتها على الساكن قبلها ليدل عليها. ونظيره قولهم: واحد اثنان، بإلقاء حركة الهمزة على الدال.
فإن قلت: هلا زعمت أنها حركة لالتقاء الساكنين؟ قلت: لأنّ التقاء الساكنين لا يبالى به في باب الوقف، وذلك قولك: هذا إبراهيم وداود وإسحاق. ولو كان التقاء الساكنين في حال الوقف يوجب التحريك لحرك الميمين في ألف لام ميم، لالتقاء الساكنين. ولما انتظر ساكن آخر.
فإن قلت: إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين في ميم، لأنهم أرادوا الوقف وأمكنهم النطق بساكنين، فإذا جاء ساكن ثالث لم يمكن إلا التحريك فحركوا.
قلت: الدليل على أن الحركة ليست لملاقاة الساكن أنه كان يمكنهم أن يقولوا: واحد اثنان، بسكون الدال مع طرح الهمزة، فيجمعوا بين ساكنين، كما قالوا: أصيم، ومديق. فلما حركوا الدال علم أن حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير وليست لالتقاء الساكنين.
فإن قلت: فما وجه قراءة عمرو بن عبيد بالكسر؟ قلت: هذه القراءة على توهم التحريك لالتقاء الساكنين وما هي بمقولة. و{التوراة والإنجيل} اسمان أعجميان. وتكلف اشتقاقهما من الورى والنجل ووزنهما بتفعلة وأفعيل، إنما يصح بعد كونهما عربيين.
وقرأ الحسن: {الأنجيل}، بفتح الهمزة، وهو دليل على العجمة، لأن أفعيل بفتح الهمزة عديم في أوزان العرب.
فإن قلت: لم قيل {نَزَّلَ الكتاب} {وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل}؟ قلت: لأن القرآن نزل منجماً، ونزل الكتابان جملة.
وقرأ الأعمش: {نزَل عليك الكتابُ} بالتخفيف ورفع الكتاب {هُدًى لّلنَّاسِ} أي لقوم موسى وعيسى. ومن قال نحن متعبدون بشرائع من قبلنا فسره على العموم.
فإن قلت: ما المراد بالفرقان؟ قلت: جنس الكتب السماوية، لأن كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل أو الكتب التي ذكرها، كأنه قال بعد ذكر الكتب الثلاثة وأنزل ما يفرق به بين الحق والباطل من كتبه، أو من هذه الكتب، أو أراد الكتاب الرابع وهو الزبور، كما قال: {وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً} [النساء: 163] وهو ظاهر. أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح من كونه فارقاً بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس، تعظيماً لشأنه وإظهاراً لفضله {بآيات الله} من كتبه المنزلة وغيرها {ذُو انتقام} له انتقام شديد لا يقدر على مثله منتقم.


{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
{لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْء} في العالم فعبر عنه بالسماء والأرض، فهو مطلع على كفر من كفر وإيمان من آمن، وهو مجازيهم عليه {كَيْفَ يَشَاءُ} من الصور المختلفة المتفاوتة.
وقرأ طاوس: {تصوّركم}، أي صوّركم لنفسه ولتعبده، كقولك: أثلت مالاً، إذا جعلته أثلة، أي أصلاً. وتأثلته، إذا أثلته لنفسك.
وعن سعيد بن جبير: هذا حجاج على من زعم أنّ عيسى كان رباً، كأنه نبه بكونه مصوراً في الرحم، على أنه عبد كغيره، وكان يخفى عليه ما لا يخفى على الله.


{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}
{محكمات} أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه {متشابهات} مشتبهات محتملات {هُنَّ أُمُّ الكتاب} أي أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وتردّ إليها، ومثال ذلك {لاَّ تُدْرِكُهُ الابصار} [الأنعام: 103]، {إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]، {لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء} [الأعراف: 27]. {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16].
فإن قلت: فهلا كان القرآن كله محكماً؟ قلت: لو كان كله محكماً لتعلق الناس به لسهولة مأخذه، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمّل من النظر والاستدلال، ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلا به، ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه، ولما في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه وردّه إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله، ولأنّ المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف، إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره، وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد، ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح الله عليه وتبين مطابقة المتشابه المحكم، ازداد طمأنينة إلى معتقده وقوّة في إيقانه {الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} هم أهل البدع {فَيَتَّبِعُونَ مَا تشابه مِنْهُ} فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق {ابتغاء الفتنة} طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم {وابتغاء تَأْوِيلِهِ} وطلب أن يأوّلوه التأويل الذي يشتهونه {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله والرسخون فِي العلم} أي لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله وعباده الذين رسخوا في العلم، أي ثبتوا فيه وتمكنوا وعضوا فيه بضرس قاطع. ومنهم من يقف على قوله (إلا الله)، ويبتدئ (والراسخون في العلم يقولون) ويفسرون المتشابه بما استأثر الله بعلمه، وبمعرفة الحكمة فيه من آياته، كعدد الزبانية ونحوه: والأوّل هو الوجه. ويقولون: كلام مستأنف موضح لحال الراسخين بمعنى هؤلاء العالمون بالتأويل {يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ} أي بالمتشابه {كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا} أي كل واحد منه ومن المحكم من عنده، أو بالكتاب كل من متشابهه ومحكمه من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه ولا يختلف كتابه {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الالباب} مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمّل ويجوز أن يكون {يَقُولُونَ} حالا من الراسخين.
وقرأ عبد الله: {إن تأويله إلا عند الله}.
وقرأ أبيّ: {ويقول الراسخون}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8